بقلم أ. هبة مؤمنة
ماجستير إدارة الصحة والمستشفيات
وبكل تأكيد ومع الاستفادة من التقنيات الحديثة، يمكن للمنطقة أن تحقق نظامًا صحيًا أكثر كفاءة واستدامة، مما يسهم في تحسين صحة ورفاهية المجتمعات بشكل عام.
يشهد القطاع الصحي في الخليج العربي تحولًا رقميًا غير مسبوق، مدفوعًا بالتطورات التكنولوجية الحديثة والاستثمارات الكبيرة التي تضخها الحكومات لتعزيز البنية التحتية الصحية وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين.
نظرة عامة:
التحول الرقمي في القطاع الصحي يشمل مجموعة واسعة من التقنيات الحديثة مثل السجلات الصحية الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والتطبيب عن بعد، وطب الأشعة الاتصالي. هذه التقنيات تلعب دورًا محوريًا في تحسين كفاءة العمليات الطبية، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية، وتقليل التكاليف.
إحصائيات ودراسات:
تشير الأرقام الصادرة عن تقرير ”الصحة الرقمية في الشرق الأوسط 2023” إلى أن معدل النمو السنوي المركب للإنفاق على الصحة الرقمية في دول الخليج بلغ 15% في السنوات الخمس الأخيرة. وتظهر بيانات التقرير أن حوالي 70% من المستشفيات في المنطقة اعتمدت السجلات الصحية الإلكترونية بحلول عام 2023، مما ساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتقليل الأخطاء الطبية بنسبة تصل إلى 30%، كما أن استخدام التطبيب عن بعد قد شهد زيادة ملحوظة، حيث ارتفعت نسبة الاستشارات الطبية عبر الإنترنت بنسبة 40% منذ بداية جائحة كورونا كوفيد 19، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة ”الجودة والتميز الصحي” في 2022. وأشارت الدراسة إلى أن التطبيب عن بعد ليس فقط يوفر الراحة للمرضى، بل يساعد أيضاً في تقليل الازدحام في المستشفيات والمراكز الصحية.
التجارب الناجحة:
من التجارب الناجحة في هذا المجال، تجربة المملكة العربية السعودية التي أطلقت مبادرة ”الصحة الرقمية 2030” كجزء من رؤيتها الطموحة.
تضمنت المبادرة إنشاء منصات صحية متكاملة تتيح للمواطنين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية بسهولة، وإطلاق تطبيق ”صحتي” الذي يقدم استشارات طبية مباشرة عن بُعد، هذه الجهود ساعدت في تحسين جودة الحياة وتعزيز الوقاية من الأمراض.
وفي الإمارات العربية المتحدة، تعتبر تجربة ”مدينة دبي الطبية” نموذجًا رائدًا في استخدام التكنولوجيا لتعزيز الخدمات الصحية.
تضم المدينة نظامًا متطورًا للسجلات الصحية الإلكترونية يتيح تبادل المعلومات الطبية بين المستشفيات والمراكز الطبية بسرعة وكفاءة، مما يسهم في تقديم رعاية صحية متكاملة وشاملة.
وفي مملكة البحرين، نذكر تجربة واعدة قام بها المركز الجامعي لمدينة الملك عبد الله الطبية، بعد أن تم توقيع اتفاقيات تعاون مع شركات متخصصة في طب الأشعة الاتصالي، مما يتيح الفرصة للأطباء إمكانية الوصول إلى خبراء الأشعة والمعلومات التشخيصية بسرعة ودقة عالية، بغض النظر عن الموقع الجغرافي، لتفسير الصور الطبية التي يتم الحصول عليها من أجهزة مختلفة مثل الأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي، وبالتالي يسهم ذلك في تحسين جودة الرعاية الصحية وتسهيل الوصول إلى الخدمات الطبية المتخصصة.
التحديات والفرص:
رغم التقدم الملحوظ، لا يزال القطاع الصحي في الخليج يواجه بعض التحديات في مجال التحول الرقمي، مثل الحاجة إلى تعزيز أمن البيانات وحماية الخصوصية، وتطوير البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق، وتأهيل الكوادر الطبية للتعامل مع التقنيات الجديدة.
ومع ذلك، فإن الفرص المتاحة ضخمة، حيث يمكن للتقنيات الحديثة أن تسهم في تعزيز الصحة العامة، وتحسين إدارة الأمراض المزمنة، وتقديم خدمات رعاية صحية مخصصة وفقاً لاحتياجات كل فرد.
كما أن التعاون بين القطاعين العام والخاص سيكون حاسمًا في تحقيق هذه الأهداف وتحقيق تحول رقمي شامل ومستدام في القطاع الصحي الخليجي.
ختامًا، إن التحول الرقمي في القطاع الصحي في الخليج العربي يمثل خطوة كبيرة نحو تحسين جودة الخدمات الصحية وتعزيز الوقاية والعلاج، وبكل تأكيد ومع الاستفادة من التقنيات الحديثة، يمكن للمنطقة أن تحقق نظامًا صحيًا أكثر كفاءة واستدامة، مما يسهم في تحسين صحة ورفاهية المجتمعات بشكل عام.